{ أحلام مقتولة } ___☆☆____ بقلم // الشاعرة هناء عبد الله الطيبة

 {{ أحلام مقتولة }}


يمر قطار العمر ويمضي بي إلى آخر محطات الحياة؟


وما زال الحزن يقطن بين ربوع أحشائ



ي الممزقة، ويصول ويجول تارة، ويشعل أعواد ثقابه بين ثنايا الروح تارة أخرى، وينتشر كانتشار النار في وسط الهشيم، ويتطاير رماد أحلامي في مهب الريح وتذروه بعيدا.


جوارحي المتبلدة لم تعد تبالي. ألفظ أنفاسي الأخيرة وألتقط ما تبقى من ذاتي. وفي داخلي أحلام مقتولة، وأمان مهزومة.


يحلق بي الوجد إلى ذاك الفضاء البعيد، وألمح نجوما يختفي بريقها وتتلاشى ملامحها ويخفت ضوؤها، وتأخذني الذكريات إلى أمس غريب يقتل الفرحة في عيني ويسلب مني كل شيء، وأعود للتو وقد ملأت جوف قلبي بحب لا ينضب وشغف لا ينفذ وشوق لا يفنى لأعانق الحياة.


وما زال هنالك بصيص أمل يرنو إلي من بعيد ويلوح بالأفق، ويتوسد ذراع السراب... وتختلط في داخلي كل الأشياء، فأستعيد شريط الذكريات وأتذكر ذلك الطفل اليتيم وملابسه المهترئة وعيونه الحزينة ومعدته الخاوية ويده الباردة يحرك قدميه المتسخة وحذاءه البالي يكاد أن يقول للزمان:


لو كان الفقر رجلا لقتلته؟ وذكريات لرجال يختبئون خلف تلك الأيام رحلوا عنا في زمن لن يعود أبدا.


أولئك الراحلون الغائبون كانوا وما زالوا بين ثنايا الروح حاضرون، وأقلب دفاتر الأيام وأفتش بين صفحاتها ولا أجد بين طياتها سوى دموع وآهات.


وتعصف بي رياح الغفلة وتقذفني إلى صحراء النسيان. رائحة الشتاء، ووقع المطر، وأنفاس الراحلين ووهج يصدح بالوجدان. ثمة هنالك شيئ ما يهمس بأذني. ووجع يتراقص بين سراديب الأشواق.


وأذرف الدمع على ما فات. وأملأ أقداح الروح بنبيذ الأمل، وأسكب أوجاعي في تلك الأكواب المفعمة بعبق الماضي، وفي حضرة الصمت المريب يرقد الشوق في ذاتي. وأصب جام غضبي في أروقة المكان. وتعتصرني الأفكار المشوشة، ويهزني الحنين ويقتلني بكل دم بارد ويذبحني كما تذبح الشاة. وينهش لحمي كما تنهش الوحوش البرية بقايا الجيفة المتعفنة.


وأعود من جديد أجمع أشيائي العتيقة وألملم قطع آنيتي المكسورة وبقايا الفتات و ما زلت ابحث عني؟ وأحدق النظر طويلا في ذاكرة المكان لتعود معي ذكريات تتأرجح بين تباريح أشواقي، وتخطفني نحو أمس ولى وإندثر وتحملني إلى غد مستتر مجهول الهوية وتحلق بي على جناح السرعة وبكل حرقة أتجرع الألم الساكن في روحي. وأرتشف مرارة الأيام من كؤوس أحزاني.


ويرحل مسرعا ذلك المساء الحزين تاركا خلفه كل الأمنيات. ويأتي الصباح وتشرق الشمس من جديد معلنة بداية لأيقونة الفرح تعزف على أنغامها لحنا منفردا على إيقاع الحياة.


ويدوي صدى الذكريات في أحضان السكون... أفواه وتمتمات، عيون ونظرات، شفاه وضحكات، أحلام وأمنيات، هكذا هي الحياة بكل ما تحمل في جعبتها من أفراح وأحزان وآمال وخيبات ودموع وآهات.


وأعود من جديد وأنفض غبار الزمن عن أحلامي وأخلع ثوب اليأس عن جسدي، ولا أرى سوى روح سقيمة، وإحساس مرهق وقلب أنهكه التعب من أقصاه إلى أدناه. أدور في دائرة مغلقة ولا أسمع غير وقع خطاي المثقلة بالأنين وليس هناك من مخرج. وفي طرفة عين أهرب من واقعي الأليم وألوذ بالفرار وأفتح نافذتي وأرى نورا يبعث الطمأنينة إلى نفسي.


وأطرق أبواب الأماني وأصبو إلى شرفات الغد القادم الآتي، ويتدفق شتاء فرح منهمر من شلالات أشجاني يأسرني بين الفينة والأخرى بين قضبانه. أبعثر قصاصات الأشواق على سفوح هواجسي. ويقتحم الألم خلوة أحساسي في وقت خلسة، 

وينهض الألم في داخلي من جديد. وأنام على وسادة أحلامي ويداهمني شعور غريب ينقض على المحك.


ويبقيني دوما متيقظة أراقب عن كثب وأتساءل؟ ما القادم يا هل ترى؟ هل هذا هو الواقع الأليم؟ أم هو شيئ ما من نسج الخيال!


ويتسلل الحزن إلى أزقة الروح ويرتكب فيها ألف مجزرة. وتتساقط عبرات ودموع تحفر في الوجدان ألما يطرحني أرضا ولا يبقي مني شيئا ولا يذر. ها هي الطيور قد غادرت أعشاشها، وحل بالمكان ظلام دامس يحجب الضوء عن جدران القلب وينقش في الذات حروفا كئيبة،تولد من رحم الخوف وتطعن خناجرها خاصرة الأمان وأعود من جديد...


حدقت النظر مطولا في كل شيء حولي هدوء المقابر ضجيج المدينة، ضوضاء وسكينة صخب مزعج رتوش تلطخ أدراج المداخل، خربشات تتبعثر هنا وهناك، أحلام تراودني، وكوابيس تلاحقني، طاولة محطمة وكرسي قديم، قلم رصاص مكسور، كوب ماء فارغ، فوانيس مطفئة، أشجار خاوية، أوراق متساقطة، أزهار ذابلة، وهراء المجانين.. حياة بائسة؟


وأسدل الستار عن ما رأيت، ووابل من مزن الأحزان يمطر في داخلي ذعرا ويدنو مني ويطوف في محراب قلبي ليقيم طقوسه الملعونة ويشدو ترانيمه البائسة على محك واقعي، أقتفي أثر الذكريات الموحشة، ويرش الشوق على قسمات وجهي قطرات ندية تبث على قارعة طريقي عطرا يفوح من كل الأرجاء. ويمسح الألم جبين لحظاتي وأعود من جديد لأقبل خد الربيع الحزين وأمسك ريشتي وألواني وأرسم لوحة غريبة تحكي عن ما بداخلي من أوجاع وآهات وذكريات راحلة جملة وتفصيلا فهل لي بأن آخذ قسطا من الراحة؟

فأنا بحق السماء،

 متعبة.. متعبة...

هناء عبدالله الطيبه





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا.......بقلم🖋️ الشاعر سمير مقداد

أنا إنسان .......بقلم 🖊رشيد بن حميدة-تونس 🇹🇳

(المرأة في المجتمع ) ......  للشاعر د. علي مسلم  عجمي